بقلم ايلي افيدار ممثل إسرائيل السابق في قطر
صفحة 1 من اصل 1
بقلم ايلي افيدار ممثل إسرائيل السابق في قطر
بقلم ايلي افيدار ممثل إسرائيل السابق في قطر
صحيفة : "إسرائيل اليوم" 7 فبراير 2011م
هذا هو الرجل الذي يخافه زعماء العالم العربي. بالذات حاكم إمارة صغيرة في الخليج الفارسي، قطر، نجح في السنوات الأخيرة في إحداث ثورة حقيقية، بكل معنى الكلمة، في قواعد اللعب في العالم العربي. حمد بن خليفة، أمير قطر، المسؤول عن إقامة وإدارة شبكة التلفزيون "الجزيرة"، التي تغذي التقلبات الدراماتيكية في الشرق الأوسط، ضمن أمور أخرى، لبثها.
بن خليفة، صعد إلى الحكم في انقلاب هادئ وأنيق نفذه في 27 حزيران 1995. بينما كان والده الأمير خليفة بن حمد خارج بلاده، أحاط بضع عشرات من الضباط المسلحين منازل العائلات الهامة في الدولة، وطلبوا منهم قسم الولاء لابنه، حمد. بعض العائلات القطرية أطاعت، أما التي عارضته فقد وضعت قيد الإقامة الجبرية. حمد الذي اشتبه بان أباه كان يوشك على جلب أخيه من خارج البلاد كي يحل محله، نفذ الخطوة المضادة بشكل سريع. في خطاب ألقاه لشعبه في التلفزيون شرح حمد بأنه لم يكن امامه أي مفر، وأعلن بأنه يتوقع انتقالا مرتبا للحكم. وقد عرض كل الحدث على مواطنيه كحل لنزاع عائلي، وليس كهزة سياسية. ولم يتبقَ للاب المطاح به أي خيار.
خلف الانقلاب اللامع وزير الخارجية ورئيس الوزراء القطري، حمد بن جاسم. الأمير بن خليفة يقدر جدا قدرات الوزير بن جاسم لدرجة انه على مدى السنين كان سرا معروفا لنا أنه في كل مرة يغادر فيها الأمير الدولة يطلب من وزير الخارجية أيضاً الخروج، كون بن خليفة غير مستعد لان يكرر خطأ أبيه. من جهة أخرى، لديه أيضاً أسباب وجيهة لمواصلة الاحتياج لخدمات بن جاسم. فبعد كل شيء، منح قطر ذخرها الأكبر: "الجزيرة".
الخيار الأمريكي
بعد الاستيلاء على الحكم أتضح له بين ليلة وضحاها أن الهدف التالي هي القواعد العسكرية في العالم العربي. ففور الانقلاب سيطر جيش السعودية على ارض كبيرة من الصحراء القطرية. فضلا عن الإهانة الوطنية، كان الزحف السعودي إشارة تنذر بالشر. الأمير فهم أنه في كل لحظة يمكن لجارته القوية أن تسقط حكمه. ومثل الكثير من الحكام العرب توجه بن خليفة إلى الولايات المتحدة.
مع استيلائه على الحكم، بدأ الأمير يحث الأمريكيين على إقامة قاعدة عسكرية في بلاده، بل واقترح تمويل بنائها. الولايات المتحدة ترددت ولكن الإغراء الاقتصادي فعل فعله. في 1996 استثمرت قطر أكثر من مليار دولار في بناء قاعدة "العديد"، ولكن في السنوات الأولى رأى الأمريكيين يخصصون للقاعدة مهام متواضعه كمعسكر تخزين. ومع الزمن خطف القطريون مردودهم: بعد نهاية حرب الخليج الأولى طلب السعوديون تقليص التواجد الأمريكي في بلادهم، ومعظم القوات التي كانت في السعودية نقلت إلى قطر (طلب الأمير من الجزيرة أن تشن حملة تطالب بإخراج القوات الأمريكية من جزيرة العرب اي السعودية حتى تنتقل إلى بلاده قطر وهذا ما حدث ولم تعد الجزيرة للحديث عن القواعد الأمريكية بعد أن بنت أمريكا قاعدتين في قطر).
عدد الجنود الأمريكيين في الإمارات بشكل عام ارتفع إلى بضعة آلاف، وفي حرب الخليج الثانية حظيت قطر باستضافة قيادة القوات الأمريكية.
الأمريكيون أيضاً، من جانبهم فرحوا لفرصة تثبيت تواجدهم في قطر. إنتاج النفط اليومي للإمارة يبلغ نحو مليون برميل في اليوم، ولكن احتياطات النفط من المتوقع أن تنتهي في 2026. ولحظ قطر، فقد اكتشفت أيضاً مخزونات كبيرة من الغاز الطبيعي، اخذت اهميته تتصاعد في العالم بسبب مقاييس جودة البيئة. حجم مخزونات الغاز لدى قطر تقدر بـ 5 حتى 7 في المائة من مخزون الغاز العالمي، والتقديرات هي أنها ستكفي نحو 250 سنة من الإنتاج – كمية من الغاز تساوي نحو 100 مليار برميل نفط. ليس سيئا بالنسبة لدولة سكانها اقل من مليون نسمة. بتشجيع من بن خليفة أصبحت شركات الطاقة الأمريكية شريكا مركزيا في صناعة الغاز القطري، على حساب الفرنسيين، الذين عملوا بحرية في الدولة في عهد أبيه.
وكان لابن خليفة سبب يدعوه للرضى: أهدافه الإستراتيجية تحققت، وحظي بترسيخ علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة تقوم على ساقين متينتين: تعاون عسكري ومصالح اقتصادية. ظاهرا، للأمريكيين أيضاً كانت كل الأسباب للابتسام. غير أنه كلما مرت السنين، تبين لهم ان بالذات في بلاد حليفهم ولد العنصر الذي سيهيج العالم العربي. يحرض ضد واشنطن والمصالح الأمريكية من القاهرة وحتى أفغانستان.
بين القاعدة والمونديال
في منتصف التسعينيات اضطرت شبكة بي.بي.سي بالعربية أن تغلق مكاتبها كنتيجة لسياسة الرقابة المتشددة للعربية السعودية، التي كانت شريكا في القناة. قطر لاحظت الفرصة، وفي نيسان 1996، بعد اقل من سنة من صعود حمد بن خليفة إلى الحكم، أسس محطة تلفزيون الجزيرة.
منذ إقامة الجزيرة ادعى القطريون بان هذه قناة مستقلة، تعمل دون تدخل حكومي. ولكن عمليا، وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم آل ثاني عين رجاله لإدارتها وربط ممثليات وزارة الخارجية القطرية بمهمة دفعها إلى الأمام. غير مرة نصبت أجهزة بث القناة على أسطح سفارات قطر في العالم العربي. وكان هذا مناسباً جداً: فعلى أي حال التلفزيون والسفارة على حد سواء كانا يعملان في خدمة الأمير.
لملء الشواغر في القناة الجديدة، استأجر القطريون الصحفيين الذين عملوا مع البي.بي.سي وأضيف إليهم إعلاميون مثلوا جملة من المواقف السياسية في العالم العربي، بعضهم ممن لم يحظَ أبداً بإسماع صوته من على منصة على هذا القدر من المركزية.
للصحفيين الذين جندتهم الجزيرة في صفوفها مزايا عمل مدللة غير مسبوقة. فقد اسكنوا كبار الإعلاميين في "قرية الياسمين"، حي فيلل في الدوحة. في المنازل الفاخرة سكن مقدمو برامج علمانيون يساريون بجوار صحفيين إخوان مسلمين متزمتين. وفي صالون واحد احتفلوا مع الكحول، وبجواره صلوا للقضاء على خصومهم في العالم. القاسم المشترك بينهم هو المال، والكثير منه. الجزيرة منحت الصحفي رواتب خيالية وحرية صحفية وان كانت محدودة إلا أنها بلغت مسافة ابعد بكثير مما حصلوا عليه في أي دولة أخرى في العالم العربي. وأكثر من كل شيء، كانت الجزيرة منبرا كان يمكن العمل فيه ما لا يمكن تصوره حتى المفاجأة – الانتقاد بشكل حر للزعماء العرب وحلفائهم في الداخل وفي الخارج الممنوع كان نقد حلفاء قطر.
أدخلت الجزيرة مداولات البث الحي دون رقابة، منحت فيه منبرا حتى لمحافل المعارضة. حتى تلك الأيام، كل البرامج كانت مسجلة ومراقبة بحيث أن مهاجمة الحكم كان متعذرا. الجزيرة خرقت هذه القاعدة. والعرب تفانوا للجزيرة. وفي غضون عدة سنوات، أصبحت شبكة التلفزيون الإدارة الإعلامية الأهم في العالم العربي. الزعماء العرب أصيبوا بالفزع. في دول عديدة منعت الجزيرة من الاحتفاظ بمكاتب لها، وأغلقت مكاتب مفتوحة المرة تلو الأخرى بعد بث برامج هاجمت الحكومات المضيفة. فضلا عن حق التعبير للمعارضة، قادت الجزيرة خطا مناهضا لأمريكا بحزم. مقدمو البرامج، مثل مقدم برنامج "الاتجاه المعاكس" د. فيصل القاسم، أو الشيخ يوسف القرضاوي الزعيم الديني الأكثر شهرة في العالم الإسلامي، درجوا على مهاجمة سياسة الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل فظ. معظم الصحفيين في القناة يسيرون معهم على ذات الخط: الجزيرة عارضت اجتياح العراق، الحرب في أفغانستان بل وبثت أشرطة رسائل أسامة بن لادن، التي جعلت الإدارة والجمهور الأمريكي يتميز غضبا. وبشكل محمل بالمفارقة، فانه في نفس الوقت الذي خرجت فيه القناة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل اتهمتها الحكومات العربية المتضررة من برامجها بأنها "مبعوثة الصهاينة" بل وأنها ممولة من إسرائيل.
وبين الحين والآخر تنطلق شائعات من جهة الحكم القطري عن عدم رضا أمريكي وعن ضغوط تمارس على الدوحة كي تسكت، أو على الأقل تقيد، عمل القناة. وهكذا يحظى بن خليفة بالتمتع من كل العوالم: من دعم عسكري أمريكي في شكل آلاف الجنود المرابطين في بلاده، ودعاية بأنه مستعد لان يصطدم مع واشنطن باسم الكرامة وحرية التعبير للعالم العربي.
الجزيرة تشكل اليوم مصدرا للشرعية الأساس لحكم الأمير. خليط من محطة تلفزيونية شعبية وثراء لا حصر له يسمح لبن خليفة الانطلاق في مغامرة اقتصادية ولتحسين صورته لا يمكن تخيلها. أن يتعهد بصرف 37 مليار دولار على استضافة المونديال في 2022، أن يشتري امتياز بتغطية قميص برشلونة بـ 165 مليون يورو أو التنافس على ملكية مانشستر يونايتد. لولا الجزيرة لكان كل زعيم مسلم يحترم نفسه يندد بهذا التبذير لأموال الإسلام على ترهات غربية، ولكن عندما تكون محطة التلفزيون إلى جانبه، قلة فقط تخاطر بجعل بن خليفة عدوهم.
ثأر الهمبورغر
مثل كثيرين في العالم العربي ممن يؤمنون بان الطريق إلى واشنطن تمر عبر القدس، فان الأمير القطري أيضاً له نفس الرأي لكن بأسلوبه حيث فتح علاقات مع إسرائيل. في 1996 فتحت ممثلية إسرائيلية في الدوحة، بل وفعلها بشجاعة في فترة حساسة مثل الانتفاضة الفلسطينية الثانية، كان الحكم مستعدا لان يخاطر بصورته أمام العرب ويحافظ على العلاقة مع إسرائيل. بفضل إسرائيل شق الطريق لتعميق العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة واستمال الطوائف اليهودية والكونغرس.
من جهة أخرى، لم يخاطر بن خليفة كي يوثق العلاقات مع القدس. فبعد فتح الممثلية الإسرائيلية في قطر لم تتعمق العلاقات، بل وأحيانا نشأ إحساس بان العلاقة بين الدولتين هي في الحد الأدنى اللازم الذي تستوجبه مصالح قطر في واشنطن. في حالات معينة، افتعلت قطر أزمات بشكل مصطنع كي يري الجمهور العربي بان القطريين لا يتعاونون مع إسرائيل. وإذا قلنا الحقيقة، فان إسرائيل أيضاً لم ترى أبداً في علاقاتها مع قطر ذخرا استراتيجيا.
كلما توثق الحلف العسكري بين قطر والولايات المتحدة وازدادت الاستثمارات الأمريكية في الدولة، اضطرت الدوحة بقدر أقل إلى العلاقة مع إسرائيل. وبردت العلاقات في أثناء الانتفاضة الثانية، وقطعت تماما في زمن رصاص مصبوب. اليوم لا توجد علاقات رسمية بين الدولتين، وقد اقترحت قطر لاستئنافها مقابل إذن بإدخال الاسمنت إلى قطاع غزة لكن ردته القدس.
في غضون 15 سنة نجح الأمير لإثارة النوازع بين كل الخصوم العرب وأجج التناقضات الداخلية في الشرق الأوسط: ان يستمتع برعاية أمريكية وان يشكك فيها أيضاً، أن يشارك في التطبيع مع إسرائيل وان يصب الوقود على شعلة النزاع على حد سواء. قلة تعلموا كيف يديروا سياسة ذكية ومرنة، تحمي المصالح الوطنية في الشرق الأوسط. في إسرائيل أيضاً، هذا درس لا يزال ينبغي استيعابه.
ومع ذلك لا يمكن القول أن حكم بن خليفة مضمون للأبد. الزعماء العرب يكنون له الضغينة على هز كراسيهم ولكن باستثناء سورية التي ساعدته ضد المحاولة الفاشلة للإطاحة به في 1996، فإنهم لا يزالون لم يعمدوا إلى عمل ضده. الولايات المتحدة هي الأخرى تفضل الحفاظ على النفط والغاز يتدفقان وعدم الشروع في مواجهة. ولعل حبه للطعام من الوجبات السريعة هو الذي سيجلب له نهايته: بن خليفة مشهور بمحبته للطعام السريع كثير السمنة، وفي السنوات الأخيرة تدهورت صحته (له كلية واحدة). سيكون من المفارقة على نحو خاص إذا كان انتقام الولايات المتحدة من الأمير بسلاح همبورغر وتشبس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواضيع مماثلة
» أمير قطر: لو تأهلت إسرائيل ستشارك فى مونديال 2022
» ويكيليكس: وزير الخارجية القطري أبلغ إسرائيل بخطة «الجزيرة» لضرب استقرار مصر
» ويكيليكس: وزير الخارجية القطري أبلغ إسرائيل بخطة «الجزيرة» لضرب استقرار مصر
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى